قرار سيغير مستقبل طلاب الثانوية العامة من العام المقبل
منذ أعلن الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم، عن قرار إلغاء التشعيب في الثانوية العامة، ليكون أمام الطالب إما التخصص "العلمي"، أو "الأدبي"، دون تشعيب العلوم إلى "علمي ورياضة"، ولم يتوقف الجدل الدائر حول القرار.اختزل أغلب المعارضين لهذا التوجه، أزمة إلغاء التشعيب، في أن طالب الشعبة العلمية سيدرس مواد ليس ضالعا فيها، ولا يحبها. ويقول هؤلاء: لماذا يدرس طالب العلمي علوم، الرياضيات؟ ولماذا يدرس طالب العلمي رياضة الأحياء؟
لم يدرك كل فريق، أن الهدف من إلغاء التشعيب أبعد من ذلك بكثير. ولم يمنح كل طرف نفسه فرصة النظر إلى المستقبل الجامعي للطالب، وكيف سينعكس دمج العلوم والرياضيات في شعبة واحدة، على التخصص الجامعي ووظيفته عندما يتخرج.
مبدئيا، لا توجد دولة في العالم لديها العلوم منقسمة إلى شعبتين. ثم إن إلغاء التشعيب ليس اختراعا، لكنه كان موجودا حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، ووقتها تخرج من الثانوية العامة عباقرة وعلماء ومفكرين، هم حاليا من يستحوذون على النصيب الأكبر من الوظائف، بل إنهم نجحوا في مسيرتهم التعليمية، ولم يعيقهم أن العلمي، شعبة واحدة.
بعيدا عن هذه المقارنة بين الماضي والحاضر. فمخاوف الطلاب وأولياء الأمور من إلغاء التشعيب مشروعة، وهي مرتبطة بنوعية المناهج التي سيدرسها الطالب. هل بعد دمج العلوم والرياضيات في شعبة واحدة، سيدرس الطالب أكثر من 12 مادة فعلا.
الإجابة بوضوح (لا).. فالوزير الدكتور طارق شوقي قال أكثر من مرة، إنه سيتم إعادة النظر في المناهج، كما وكيفا. لتتناسب مع مرحلة ما بعد إلغاء التشعيب، بما يحقق العدالة بين طلاب الشعبتين العلمية والأدبية.
كيف سيتم إعادة النظر في المناهج كما وكيفا؟
الإجابة، وفق مؤشرات ومعلومات كثيرة، من مصادر عدّة، أن طلاب العلمي والأدبي سيكونون متساوين تقريبا في نفس عدد المواد، فلن يدرس طالب العلمي أكثر من 11، أو 12 مادة، والأدبي سبع مواد فقط.
هنا الحديث عن الكم. فلن يتم دمج كل مواد العلوم، مع كل مواد الرياضيات، مع كل المواد المشتركة بينهما مثل العربي والإنجليزي والفرنساوي، وهكذا. هذا لن يحدث، لأنه بذلك سيكون عدد المواد كبيرة، وما سيجري فعله، أن هذا الكم سيتم تقليله بشكل تربوي، ليتناسب المنتج النهائي من المناهج، مع المطلوب أن يفهمه ويعرفه ويُدركه طالب الشعبة العلمية، دون تعقيد أو تعجيز أو وضع كم هائل من المواد لا تتناسب مع طالب هذه الفئة العمرية.
بالتالي. فإن مخاوف الطلاب وأولياء الأمور، مردود عليها، بأن محتوى وعدد المناهج سيتم اختصاره بما يخدم "فكرة التعلم ذاتها". وبمعنى أدق: فروع الرياضيات مثلا، تضم الجبر والهندسة الفراغية، والتفاضل والتكامل، والديناميكا والاستاتيكا.
من المؤكد أن وزارة التعليم لن تترك هذا الكم، بل ستقوم بتخفيف عدد فروع الرياضيات ليتم التركيز على الكيف، أي المحتوى القليل ذي العائد المعرفي والتربوي الكبير. وهكذا، فالمهم أن يتعلم الطالب ويفهم، وليس كم مادة يدرسها.
تُدرك وزارة التعليم، قبل الطلاب والأهالي أنفسهم، أن إلغاء التشعيب يتطلب إعادة النظر في المناهج، كما وكيفا، كجزء من التطوير وتحسين المخرجات، وبالتالي فإن الإيحاء بأن الكم الهائل من المناهج سيعيق إلغاء التشعيب، كلام غير واقعي، لأن الجهة صاحبة القرار نفسها، أعلنت أنها ستبادر من تلقاء نفسها بهذه الخطوة.
وبناء عليه. فإن مسألة خفض المناهج كما، وكيفا، محسومة بالنسبة للوزارة، ولا داعِ للخوف من هذه النقطة، لأن وسائل التخفيض كثيرة، إما بدمج مواد متشابهة "مثل الجيولوجيا مع الجغرافيا"، أو الاكتفاء بأفرع محددة، مثل "الرياضيات مثلا".
هل يستفيد الطالب جامعيا من إلغاء التشعيب؟
الإجابة قطعا (نعم).. لماذا؟. لأن الحاصل في أغلب دول العالم تقريبا، أن العلوم في الثانوية العامة تكون بمثابة وحدة واحدة للمعرفة، ولا يجب أن تنفصل إلى شعبتين، بحيث تكون مؤهلة لكل التخصصات الجامعية العلمية، دون تفرقة.
ويعني هذا الكلام. أن الطالب الذي يرغب في الالتحاق بكلية الطب مثلا، يُفترض أن تكون لديه الحد الأدنى من الخبرة والمهارة الخاصة بتصنيع الأجهزة الطبية التي يستخدمها. فلا يصح أن يكون من يصنعها مهندس، ومن يستخدمها طبيب، وكلاهما منفصلان فكريا ومعرفيا ومهاريا، عن بعضهما، مع أن الأدق والأصح، أن يلامس كلاهما تخصص الآخر. وهنا تأتي أهمية دمج العلوم كلها في شعبة واحدة.
فالعبرة من المرحلة الثانوية، أن يكون الطالب مؤهلا وعلى دراية كاملة بكل التخصصات، فمن يستهويه الطب، مثلا، يكون على دراية بالعلوم الهندسية، لأن كل وظائف العصر، والمستقبل، تحتاج إلى طالب لديه معرفة كاملة بـ "كل العلوم"، لا جزءا منها. وتحتاج أيضا إلى طالب ذو مهارات وقدرات متعددة، لا أن يظل جاهلا بالعلوم التي على أساسها سيتحدد مصيره الجامعي.
ما المزايا التي سيتمتع بها الطالب جامعيا بعد إلغاء التشعيب؟
أولا : سيكون متاحا أمام طلاب الشعبة العلمية، كل الكليات التي كانت مخصصة للعلمي علوم، والعلوم رياضة. فمعنى أن الطالب سيكون من حقه دخول كلية الطب أو الصيدلة أو الأسنان أو العلوم الطبية أو الهندسة أو العلاج الطبيعي أو التجارة، وغيرها.
ثانيا : من لم يستطع دخول كلية الطب، مثلا، بسبب مجموعه، سيكون أمامه كلية الهندسة، ومن لم يستطع تحقيق حلمه في كلية علمية بعينها، سيكون أمام كم هائل من الكليات الأخرى، المعروفة بأنها "كليات قمة".
ثالثا : بإلغاء التشعيب ستكون كل الكليات العلمية دون استثناء متاحة أمام طلاب الشعبة العلمية، بشكل لا يجعل خياراتهم محدودة، بل كثيرة، ولا حصر لها.
رابعا : عندما يدرس الطالب، العلوم والرياضيات، سيختار التخصص الجامعي الذي يتناسب مع قدراته ومهاراته التي اكتسبها في الثانوية، لا بناء على تحكمات وتدخلات الأسرة كما كان يحصل، ثم يتعرض بعدها الطالب للإخفاق لأنه أجبر على تخصص جامعي لا يناسبه.
خامسا : من شأن إلغاء التشعيب، أن يزداد عدد طلاب المقبولين في الجامعات الحكومية، وهذا عكس ما يروج له البعض بأن القرار يستهدف التخديم على الجامعات الخاصة والأهلية، وبالتالي فإن جعل خيارات الطلاب متعددة، وتوسيع مساحة التحرك لديهم ليختاروا بين أكبر عدد من الكليات، سيوسع قاعدة المستفيدين.
بناء على ما سبق .. سواء ما يرتبط بالمناهج، أو يتعلق بمضاعفة أعداد الكليات أمام الطلاب بإلغاء التشعيب. متى يقتنع الطلاب وأسرهم، بأن جعل الثانوية العامة "علمي وأدبي فقط"، يصب في صالحهم، علميا وجامعيا ووظيفيا، لا جعلهم "فئران تجارب".
اكتب تعليقك اذا كان لديك اى تسائل عن الموضوع ، وسنجيبك فور مشاهدة تعليقك